فصل: تفسير الآية رقم (21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (21):

{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)}
{واذكر} لكفار مكة {أَخَا عَادٍ} هودًا عليه السلام {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ} بدل اشتمال منه أي وقت إنذاره إياهم {بالاحقاف} جمع حقف رمل مستطيل فيه اعوجاج وانحناء ويقال احقوقف الشيء اعوج وكانوا بدويين أصحاب خباء وعمد يسكنون بين رمال مشرفين على البحر بأرض يقال لها السحر من بلاد اليمن قاله ابن زيد، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بين عمان ومهرة، وفي رواية أخرى عنه الأحقاف جبل بالشام، وقال ابن إسحاق: مساكنهم من عمان إلى حضرموت؛ وقال ابن عطية الصحيح أن بلاد عاد كانت باليمن ولهم كانت ارم ذات العماد وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في إرم وبيان الحق فيها.
{وَقَدْ خَلَتِ النذر} أي الرسل كما هو المشهور، وقيل من يعمهم والنواب عنهم جمع نذير عنى منذر.
وجوز كون {النذر} جمع نذير عنى الإنذار فيكون مصدرًا وجمع لأنه يختلف باختلاف المنذر به. وتعقب بأن جمعه على خلاف القياس ولا حاجة تدعو إليه {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} أي من قبله عليه السلام {وَمِنْ خَلْفِهِ} أي من بعده وقرئ به ولولا ذلك لجاز العكس، والظاهر أن المراد النذر المتقدمون عليه والمتأخرون عنه. وعن ابن عباس يعني الرسل الذين بعثوا قبله والذين بعثوا في زمانه، فمعنى {مِنْ خَلْفِهِ} من بعد إنذاره، وعطف {مِنْ خَلْفِهِ} أي من بعده على ما قبله إما من باب:
علفتها تبنًا وماءً باردًا

وفيه أقوال فقيل عامل الثاني مقدر أي وسقيتها ماء ويقال في الآية أي خلت النذر من بين يديه وتأتي من خلفه؛ وقيل إنه مشاكلة، وقيل: إنه من قبيل الاستعارة بالكناية، وإما لإدخال الآتي في سلك الماضي قطعًا بالوقوع وفيه شائبة الجمع بين الحقيقة والمجاز، وجوز أن يقال: المضي باعتبار الثبوت في علم الله تعالى أي وقد خلت النذر في علم الله تعالى يعني ثبت في علمه سبحانه خلو الماضين منهم والآتين، والجملة إما حال من فاعل {أُنذِرَ} أي إذ أنذر معلمًا إياهم بخلو النذر أو مفعوله أي وهم عالمون بإعلامه إياهم، وهو قريب من أسلوب قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ أمواتا} [البقرة: 28] الآية، ويجوز أن يكون المعنى أنذرهم على فترة من الرسل، وهي حال أيضًا على تفسير ابن عباس، وعلم القوم يجوز أن يكون من إعلامه ومن مشاهدتهم أحوال من كانوا في زمانه وسماعهم أحوال من قبله، وإما اعتراض بين المفسر أعني {جَوَابَ قَوْمِهِ} وبين المفسر أعني قوله تعالى: {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} فإن النهي عن الشيء إنذار عن مضرته كأنه قيل: واذكر زمان إنذار هود قومه بما أنذر به الرسل قبله وبعده وهو أن لا تعبدوا إلا الله تنبيهًا على أنه إنذار ثابت قديمًا وحديثًا اتفقت عليه الرسل عليهم السلام عن آخرهم فهو يؤكد قوله تعالى: {واذكر} ويؤكد قوله سبحانه: {أَنذَرَ قَوْمَهُ} ولذلك توسط، وهو أيضًا مقصود بالذكر بخلاف ما إذا جعل حالًا فإنه حينئذ قيد تابع، وهذا الوجه أولى مما قبله على ما قرره في الكشف، وجوز بعضهم العطف على {أُنذِرَ} أي واعلمهم بذلك وهو كما ترى، وجعلت {ءانٍ} مفسرة لتقدم معنى القول دون حروفه وهو الإنذار والمفسر معموله المقدر، وجوز كونها مصدرية وكونها مخففة من الثقيلة فقبلها حرف جر مقدر متعلق بأنذر أي أنذرهم بأن لا تعبدوا إلا الله.
{إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} صفة {يَوْمٍ} وعظمه مجاز عن كونه مهولًا لأنه لازم له، وكون اليوم مهولًا باعتبار هول ما فيه من العذاب فالإسناد فيه مجازي، ولا حاجة إلى جعله صفة للعذاب والجر للجوار والجملة استئناف تعليل للنهي، ويفهم إني أخاف عليكم ذلك بسبب شرككم.

.تفسير الآية رقم (22):

{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بما تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22)}
صفة {يَوْمٍ} وعظمه مجاز عن كونه مهولًا لأنه لازم له، وكون اليوم مهولًا باعتبار هول ما فيه من العذاب فالإسناد فيه مجازي، ولا حاجة إلى جعله صفة للعذاب والجر للجوار والجملة استئناف تعليل للنهي، ويفهم إني أخاف عليكم ذلك بسبب شرككم {قَالُواْ أَجِئْتَنَا} استفهام توبيخي {لِتَأْفِكَنَا} أي لتصرفنا كما قال الضحاك من الإفك عنى الصرف، وقيل: أي لتويلنا بالإفك وهو الكذب {عَنْ ءالِهَتِنَا} أي عن عبادتها {فَأْتِنَا بما تَعِدُنَا} من معاجلة العذاب على الشرك في الدنيا {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في وعدك بنزوله بنا.

.تفسير الآية رقم (23):

{قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23)}
{قَالَ إِنَّمَا العلم} أي بوقت نزوله أو العلم بجميع الأشياء التي من جملتها ذلك {عَندَ الله} وحده لا علم لي بوقت نزوله، والكلام كناية عن أنه لا يقدر عليه ولا على تعجيله لأنه لو قدر عليه وأراده كان له علم به في الجملة فنفى علمه به المدلول عليه بالحصر نفي لمدخليته فيه حتى يطلب تعجيله من الله عز وجل ويدعو به.
وبهذا التقرير علم مطابقة جوابه عليه السلام لقولهم: {ائتنا} [الأحقاف: 22] فيأتيكم به في وقته المقدر له {وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ} من مواجب الرسالة التي من جملتها بيان نزول العذاب إذ لم تنتهوا عن الشرك، وقرأ أبو عمرو {أُبَلّغُكُمْ} من الإبلاغ.
{ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} شأنكم الجهل ومن آثار ذلك أنكم تقترحون على ما ليس من وظائف الرسل من الاتيان بالعذاب، والفاء في قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (24):

{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24)}
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا} فصيحة أي فأتاهم فلما رأوه، وضمير النصب قيل راجع إلى {مَا} في {ا تَعِدُنَا} [الأحقاف: 22] وكون المرئي هو الموعود باعتبار المآل والسببية له وإلا فليس هو المرئي حقيقة، وجوز الزمخشري أن يكون مبهمًا يفسره {عَارِضًا} وهو إما تمييز وإما حال، ثم قال: وهذا الوجه أعرب أي أبين وأظهر لما أشرنا إليه في الوجه الأول من الخفاء وأفصح لما فيه من البيان بعد الإبهام والإيضاح غب التعمية.
وتعقبه أبو حيان بأن المبهم الذي يفسره ويوضحه التمييز لا يكون في باب رب نحو ربه رجلًا لقيته وفي باب نعم وبئس على مذهب البصريين نحو نعم رجلًا زيد وبئس غلامًا عمرو، وأما أن الحال توضح المبهم وتفسره فلا نعلم أحدًا ذهب إليه، وقد حصر النحاة المضمر الذي يفسره ما بعده فلم يذكروا فيه مفعول رأى إذا كان ضميرًا ولا أن الحال يفسر الضمير ويوضحه، وأنت تعلم جلالة جار الله وإمامته في العربية، والعارض السحاب الذي يعرض في أفق السماء، ومنه قول الشاعر:
يا من رأى عارضًا أرقت له ** بين ذراعي وجبهة الأسد

وقول الأعشى:
يا من رأى عارضًا قد بت أرمقه ** كأنما البرق في حافاته الشعل

{مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} أي متوجه أوديتهم وفي مقابلتها وهي جمع واد، وأفعلة في جمع فاعل الاسم شاذ نحو ناد وأندية وجائز للخشبة الممتدة في أعلى السقف وأجوزة والإضافة لفظية كما في قوله تعالى: {قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} ولذلك وقعًا صفتين للنكرة وأطلق عليها الزمخشري مجازية ووجه التجوز أن هذه الإضافة للتوسع والتخفيف حيث لم تفد فائدة زائدة على ما كان قبل فكما أن إجراء الظرف مجرى المفعول به مجاز كذلك إجراء المفعول أو الفاعل مجرى المضاف إليه في الاختصاص ولم يرد أنها من باب الإضافة لأدنى ملابسة.
{بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ} أي من العذاب والكلام على إضمار القول قبله أي قال هود بل هو إلخ لأن الخطاب بينه وبينهم فيما سبق ويؤيده أنه قرئ كذلك وقدره بعضهم قل بل هو إلخ للقراءة به أيضًا والاحتياج إلى ذلك لأنه إضراب ولا يصلح أن يكون من مقول من قال هذا عارض ممطرنا وقدر البغوي قال الله بل هو إلخ وينفك النظم الجليل عليه كما لا يخفى. وقرئ {بَلِ مَا استعجلتم} أي بل هو، وقرأ قوم {مَا استعجلتم} بضم التاء وكسر الجيم.
{رِيحٌ} بدل من {مَا} أو من {هُوَ} أو خبر لمبتدأ محذوف أي هي أو هو ريح {فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} صفة {رِيحٌ} لكونه جملة بعد نكرة وكذا قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (25):

{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)}
{تُدَمّرُ} أي تهلك {كُلّ شَيْء} من نفوسهم وأموالهم أو مما أمرت بتدميره {بِأَمْرِ رَبّهَا} ويجوز أن يكون مستأنفًا، وقرأ زيد بن علي {تُدَمّرُ} بفتح التاء وسكون الدال وضم الميم، وقرئ كذلك أيضًا إلا أنه بالياء ورفع {كُلٌّ} على أنه فاعل {يدمر} وهو من دمر دمارًا أي هلك، والجملة صفة أيضًا والعائد محذوف أي بها أو الضمير من {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا} ويجوز أن يكون استئنافًا كما في قراءة الجمهور وأراد البيان أن لكل ممكن وقتًا مقتضيًا منوطًا بأمر بارئه لا يتقدم ولا يتأخر ويكون الضمير من {رَبُّهَا} لكل شيء فإنه عنى الأشياء وفي ذكر الأمر والرب والإضافة إلى الريح من الدلالة على عظمة شأنه عز وجل ما لا يخفى والفاء في قوله تعالى: {فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مساكنهم} فصيحة أي فجأتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم وجعلها بعضهم فاء التعقيب على القول بإضمار القول مسندًا إليه تعالى وادعى أنه ليس هناك قول حقيقة بل هو عبارة عن سرعة استئصالهم وحصول دمارهم من غير ريث وهو كما ترى، وقرأ الجمهور {لاَّ ترى} بتار الخطاب {إِلاَّ مساكنهم} بالنصب، والخطاب لكل أحد تتأتى منه الرؤية تنبيهًا على أن حالهم بحيث لو حضر كل أحد بلادهم لا يرى إلا مساكنهم أو لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم، وقرأ أبو رجاء. ومالك بن دينار بخلاف عنهما. والجخدري. والأعمش. وابن أبي إسحق. والسلمي {لاَّ ترى} بالتاء من فوق مضمومة {إِلاَّ مساكنهم} بالرفع وجمهور النحاة على أنه لا يجوز التأنيث مع الفصل بالا إلا في الشعر كقول ذي الرمة:
كأن جمل هم وما بقيت ** إلا النحيزة والألواح والعصب

وقول الآخر وعزاه ابن جني لذي الرمة أيضًا:
برى النحز والاجرال ما في غروضها ** وما بقيت إلا الضلوع الجراشع

وبعضهم يجيزه مطلقًا وتمام الكلام فيه في محله، وقرأ عيسى الهمداني {لاَ يرى} بضم الياء التحتية {إِلاَّ مساكنهم} بالتوحيد والرفع وروى هذا عن الأعمش. ونصر بن عاصم، وقرئ {لاَّ ترى} بتاء فوقية مفتوحة {إِلاَّ مساكنهم} مفردًا منصوبًا وهو الواحد الذي أريد به الجمع أو مصدر حذف مضافه أي آثار سكونهم {كذلك} أي مثل ذلك الجزاء الفظيع {نَجْزِي القوم المجرمين} أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب السحاب. وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ} [الأحقاف: 24] الآية أول ما عرفوا أنه عذاب ما رأوا ما كان خارجًا من رحالهم ومواشيهم يطير بين السماء والأرض مثل الريش فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاءت الريح ففتحت أبوابهم ومالت عليهم بالرمل فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام حسومًا لهم أنين فأمر الله تعالى الريح فكشفت عنهم الرمل وطرحتهم في البحر فهو قوله تعالى: {فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مساكنهم}.
وروى أن أول من أبصر العذاب امرأة منهم رأت ريحًا فيها كشهب النار، وروى أن هودًا عليه السلام لما أحس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطا إلى جنب عين تنبع، وعن ابن عباس أنه عليه السلام اعتزل وم معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما يلين به الجلود وتلذه الأنفس، وأنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة، وكانت كما أخرج ابن أبي شيبة. وابن جرير عن عمرو بن ميمون تجيء بالرجل الغائب، ومر في سورة الأعراف مما يتعلق بهم ما مر فارجع إليهم إن أردته، ولما أصابهم من الريح ما أصابهم كان صلى الله عليه وسلم يدعو إذا عصفت الريح.
أخرج مسلم. والترمذي. والنسائي. وابن ماجه. وعبد بن حميد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به فإذا أخيلت السماء تغير لونه صلى الله عليه وسلم وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا مطرت سرى عنه فسألته فقال عليه الصلاة والسلام: لا أدري لعله كما قال قوم عاد {هذا عارض ممطرنا} [الأحقاف: 24]».